من أذكار الصباح والمساء
رُوي عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة أنه قال لأبيه: ( يا أبت إني أسمعك تدعوه كل غداة: اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت، تعيدها حين تصبح ثلاثاً وثلاثاً حين تمسي، فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يدعو بهن فأنا أحب أن أستن بسنته )([1])
إن المعافاة في البدن قوام الحياة فلا تصفو مع الأسقام والأدواء لذا كان من الدعاء سؤال الله تعالى إدامة نعمة الصحة والعافية. والسمع والبصر من أجزاء البدن فلماذا خصوا بالدعاء؟! بعد الدعاء العام بالمعافاة في البدن؟. والحكمة في ذلك والعلم عند الله أن السمع والبصر هما بوابة تلقي العلم والمعرفة لدى الإنسان، فمن خلالهما يتلقى المتلقي علوم الشرع والإيمان فإما أن تستمع إلى وعظ أو درس علم أو محاضرة نافعة. وفي كافة الأزمان كان حفظ القرأن لدى الصغار منذ نعومة أظافرهم عن طريق السمع والتلقي. ثم لما يتقدم العمر بالإنسان ويبدأ الإدراك وتعلم القرأة تبدأ حاسة الإبصار بتلقي العلوم بقرأة القرآن وكتب الحديث وعلوم الشرع الأخرى. لذا كان لزاماً سؤال الله دوماً معافتنا في السمع والبصر ليكون مصدر التلقى عن الله ورسوله صافياً خلياً من الشوائب، ولكي تسري المعارف إلى القلب صافيةً نقيةً فيتشربها، ومن ثم تصبغ كافة الجوارج بصبغة الإيمان فيكون كافة الجسد في طاعة الله ومرضاته.
ومن بعد ذلك يأتي الدعاء بالتعوذ من الكفر والفقر، فلكافر لم يحسن التلقي عن مولاه ولم يعي مراد الله فيه إما لخلل في وسيلة التلقي وهو ما سأل السائل ربه معافاته في صدر هذا الذكر وإما لخلل في وقوع ذلك على النفس وتأثيره في القلب لذا كان التعوذ لحقاً من الكفر كنتيجة لمنظومة متكاملة معطلة إم لتعصل الإدراك أو لعدم الانتفاع بها.
أما الفقر فهو يورث الإنسان قصوراً وعجزاً فينعكس ذلك لا محالة على بدنه وجوارحه، وقد يفضي بصاحبه إلى ارتكاب المحرمات أو التسخط على أقدار الله وحكمه أو عدم طاعته على الوجه الذي يرضيه.
وجماع كل ذلك إن تيسر للإنسان صلاح وحسن تلقي وعمل البدن في طاعة الله ومرضاته كانت عاقبة الإنسان حميدة بفضل الله وكرمه، وإن كانت الأخرى كان الإنسان مستحقاً لعذاب الله في الأخرة، وأول منازلها القبر وعذابة ونعيمه وهو من المقرر شرعاً. لذا كان التعوذ من عذاب القبر هو إكتمال المنظومة فإن نجا الشخص من عذاب القبر كان من الناجين وإن عُذب بالقبر وبقيت عليه ذنوب فقد يكون مصيره إلى النار والعياذ بالله.
السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي ( 1433 - 2012 )
([1]) حسن رواه ابن حجر العسقلاني في الفتوحات الربانية برقم 116/3