الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وتلك من فطر الله التي فطر الناس عليها قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾([1])، والعلاقات الإنسانية لا تقاس بالمسطرة والشبر، بل هي مشاعر جياشة، وعواطف دفاقة، وصلات تنمو وتزدهر مع الأيام، لتغدو دوحة غناء يتفيؤ الجميع ظلالها الوارفة، ويجنون ثمارها اليانعة من حب وعطاء وبذل في سبيل إسعاد الأخرين. والإنسان المنطوي على نفسه، المنكفئ على ذاته وبيته، قليل العلاقات الاجتماعية ينافي مبادئ الإسلام وأهدافه السامية، قال رسول الله ﷺ: (المؤمنُ الذي يخالطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظمُ أجراً منَ المؤمنِ الذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم )([2])، ولقوله ﷺ لأبي ذر رضي الله عنه: ( وخالقِ النَّاسَ بخلقٍ حسن )([3])، ويخص بهذا التوجيه العام، معاملة الشخص أقرب الناس إليه من والدين وإخوة وأقارب، فيجب معاملتم بالمحبة والود وصلة، قال تعالى على لسان نبيه ﷺ: ﴿ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾([4])، فلنحذر إخوتي من أمر قد لا يفهمه الكثير، ألا وهو أن الواصل لرحمه ليس بالمكافئ لهم، أي الذي يعامل الناس بالمثل، فلا يزور إلا من زاره، ولا يتصل إلا بمن اتصل به وهكذا، قال رسول الله ﷺ: ( ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي يصل رحمه إذا قطعت )([5])، وسؤال أحد الصحابة رسول الله ﷺ حيث قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، قال: ( لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت كذلك )([6]). وأولى الناس بالصحبة وحسن العشرة الوالدان، ثم الأقرب فالأقرب، سأل رجل رسول الله ﷺ: ( يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك، أدناك )([7])، فالأبوين أحق الناس بحسن الصحبة، وبعد وفاتهما يكون أولى الناس بذلك الإخوة ثم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وهكذا، قال رسول الله ﷺ: ( هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما قال: نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما )([8]) أي صلة الأرحام التي تتصل بهما كما قدمنا. وليعلم الجميع أن الإخوة على وجه الخصوص لا عوض لهم بعد وفاة الوالدين وقديماً قيل: (الولد مولود والزوج موجود ولكن الأخ إن فقد لن يعود ).
وفي هذه الأيام أبتلينا بتوتر بعض العلاقات الأسرية أو انقطاعها بالكلية، إما بسبب دسيسة أو وسوسة من أطراف خارجية عن محيط الأسرة، وللأسف غالباً ما تكون تلك الفتنة من أقرب المحيطين بالأسرة مثل زوجة الأخ أو زوج الأخت، وأمثال تلك الأنفس الضعيفة لا تروقها علاقات الوئام، وأواصر الوشائج الحميمة بين الإخوة، حيث ما تفتؤ توسوس وتنخر في كيان الأسرة الواحدة المتماسكة، فتحيله ركاماً وأثراً بعد عين، كأنما لم يكن يوماً من عز أو مجد. ولمَ العجب! فكم من ولد أو بنت تغير على والديه أو عقهما بسبب زوج أو صاحبة، فما بالنا بمن سواهم في المنزلة من إخوة وغيرهم. فليتق الله أمثال هؤلاء، وليثوبوا إلى رشدهم، وليعلموا أن العقوق وقطيعة الرحم دين سيرد لهم عاجلاً في الدنيا قبل الأخرة، وأول تلك العواقب انقطاع الناس عن ودهم وزيارتهم وصلتهم، وثانيها تقطع الأواصر بين أبنائهم وعصبتهم، وثالثها عدم تقدير الصغار لهم لما يرون من التعامل الفظ مع ذويهم، ولربما يبتليهم الله في مستقبل عمرهم بمن يسومهم سوء المعاملة ويذيقهم من نفس الكأس التي نفثوا فيها سمومهم.
وأخيراً أهمس لهؤلاء همسة شفيق رحيم بأن يبعدوا وساوس الشيطان عن أنفسهم وأسرهم وأرحامهم، وإلا فإن الله لهم بالمرصاد قال رسول الله ﷺ: ( إن اللَّه خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت: بلى يارب قال: فهو لك )([9]) وقوله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾([10])فما هكذا تُقابل نعم الله علينا فبعد أن من الله عليكِ أو عليكَ ببيت وأبناء وستر، يكون الجزاء الإفساد وقطيعة الأرحام!!.
فلنحذر غضب الله، فمن منا يقوى على عقاب الله له،
والله من وراء القصد،،
السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي ( ١٤3٣ - ٢٠1٢ )
([1]) سورة الحجرات آية 13.
([2]) صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد (300) وابن ماجه في العقوبات (4032) وأحمد (5022) باختلاف يسير.
حسنه الألباني روي في صحيح الترغيب (2655). (3)
([4]) سورة الشورى آية 23.
(4) رواه البخاري في الأدب (5991) والترمذي في البر والصلة (1908) وأبو داود في صلة الرحم (1697).
([6]) رواه مسلم في البر والصلة والآداب (2558)، وتسفهم: بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء والمل: بفتح الميم وتشديد اللام وهو الرماد الحار: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخالهم الأذى عليه، والله أعلم.
([7]) رواه مسلم في البر والصلة والآداب (2548).
(8) صحيح رواه الحاكم في المستدرك (7466).
([9]) متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (5987) ومسلم في البر والصلة والآداب (2554).
([10]) سورة محمد أية 22.
وفي هذه الأيام أبتلينا بتوتر بعض العلاقات الأسرية أو انقطاعها بالكلية، إما بسبب دسيسة أو وسوسة من أطراف خارجية عن محيط الأسرة، وللأسف غالباً ما تكون تلك الفتنة من أقرب المحيطين بالأسرة مثل زوجة الأخ أو زوج الأخت، وأمثال تلك الأنفس الضعيفة لا تروقها علاقات الوئام، وأواصر الوشائج الحميمة بين الإخوة، حيث ما تفتؤ توسوس وتنخر في كيان الأسرة الواحدة المتماسكة، فتحيله ركاماً وأثراً بعد عين، كأنما لم يكن يوماً من عز أو مجد. ولمَ العجب! فكم من ولد أو بنت تغير على والديه أو عقهما بسبب زوج أو صاحبة، فما بالنا بمن سواهم في المنزلة من إخوة وغيرهم. فليتق الله أمثال هؤلاء، وليثوبوا إلى رشدهم، وليعلموا أن العقوق وقطيعة الرحم دين سيرد لهم عاجلاً في الدنيا قبل الأخرة، وأول تلك العواقب انقطاع الناس عن ودهم وزيارتهم وصلتهم، وثانيها تقطع الأواصر بين أبنائهم وعصبتهم، وثالثها عدم تقدير الصغار لهم لما يرون من التعامل الفظ مع ذويهم، ولربما يبتليهم الله في مستقبل عمرهم بمن يسومهم سوء المعاملة ويذيقهم من نفس الكأس التي نفثوا فيها سمومهم.
وأخيراً أهمس لهؤلاء همسة شفيق رحيم بأن يبعدوا وساوس الشيطان عن أنفسهم وأسرهم وأرحامهم، وإلا فإن الله لهم بالمرصاد قال رسول الله ﷺ: ( إن اللَّه خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت: بلى يارب قال: فهو لك )([9]) وقوله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾([10])فما هكذا تُقابل نعم الله علينا فبعد أن من الله عليكِ أو عليكَ ببيت وأبناء وستر، يكون الجزاء الإفساد وقطيعة الأرحام!!.
فلنحذر غضب الله، فمن منا يقوى على عقاب الله له،
والله من وراء القصد،،
السيد / حكم زَمُّو العَقِيلي ( ١٤3٣ - ٢٠1٢ )
([1]) سورة الحجرات آية 13.
([2]) صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد (300) وابن ماجه في العقوبات (4032) وأحمد (5022) باختلاف يسير.
حسنه الألباني روي في صحيح الترغيب (2655). (3)
([4]) سورة الشورى آية 23.
(4) رواه البخاري في الأدب (5991) والترمذي في البر والصلة (1908) وأبو داود في صلة الرحم (1697).
([6]) رواه مسلم في البر والصلة والآداب (2558)، وتسفهم: بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء والمل: بفتح الميم وتشديد اللام وهو الرماد الحار: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخالهم الأذى عليه، والله أعلم.
([7]) رواه مسلم في البر والصلة والآداب (2548).
(8) صحيح رواه الحاكم في المستدرك (7466).
([9]) متفق عليه: رواه البخاري في الأدب (5987) ومسلم في البر والصلة والآداب (2554).
([10]) سورة محمد أية 22.