About the article

Author :

Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee

Date :

Thu, Sep 18 2014

Category :

Fatwa (Q&A)

Download

سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم : 260

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ، (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) ، (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيما )) ؛ أما بعد :

فإن خير الهُدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ وبعد أيضًا :

... وطلب العلم المستقى من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إخواننا الحاضرين جميعًا - إن شاء الله - إن العلم بالنسبة للعمل هو كالوسيلة بالنسبة للغاية ، أو بالنسبة للسبب مع المسبب ، فإذا حصل الوسيلة ولم يصل إلى الغاية فقد يكون خسر تعبه في تحصيل الوسيلة التي لم يتوصل بها إلى الغاية ، أو في تحصيل السبب الذي لم يتوصل . - كلمة - . وأعتقد أن هذا الكلام ليس معمًا أو فلسفة ما هي ظاهرة ولا هي واضحة ، وإنما هو أمرُ جليٍ غير خفي ، مثاله مثلاً إنسان اشترى مسجلة ما ثم وضعها جانبًا ، المسجلة وسيلة والغاية منها هو استفادة العلم ، فحينما ألقاها جانبًا معنى ذلك أنه لم يستفد من هذه الوسيلة شيئًا ، والأمثلة كثيرة جدًا ، وكما قيل تكفيه الإشارة وغرضي أن أقول بأن العلم مع العمل يجري مجرى الوسيلة مع الغاية أي يجب على كل مسلم علم شيئًا من أحكام الشرع أن يعمل به وإلا كان علمهُ به ليس فقط لم يستفد منه شيئًا كما ضربنا آنفًا مثلاً بالنسبة للوسيلة مع الغاية بل قد خسر بعلمه هذا وكان خسرانه خسرانًا كبيرًا ؛ لأن الله - عزَّ وجلّ - أخذ العهد من كل من عمل علمًا ثم لم يعمل به ، كان وبالاً على صاحبه ، كما قيل وهذا القيل ليس قيلا يعني من باب التمريض وإنما هو قول مستقًا من الشريعة ، هذا القيل هو الذي يقول أول الناس عذابًا يوم القيامة عالمُ لم يعمل بعلمه وسند هذا الكلام قوله - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه ، ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون له يا فلان مالك ؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : نعم ، كنت آمركم بالمعروف ولا أتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) . فهذا جزاء العالم الذي لا يعمل بعلمه ، وقبل أن أستطرد فيما أنا في صدده من بيان ضرورة قرن العمل بالعلم أريد أن أستدرك على نفسي فيما خرجت الحديث هذا آنفًا حين قلت : رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، هذا وهمُ مني ، ينبغي أن يُسجل ، الصواب أن هذا الحديث أخرجه الشيخان أي البخاري ومسلم ، وليس من حديث أبي هريرة ، وإنما هو من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - بهذا الذي سمعتموه ، أما حديث أبي هريرة الذي وهمت في متنه وله متنُ آخر ، أي لفظ أخر له صلة بموضوع العالم ذلك أن العالم ليس يجب في حقه أن يعمل بعلمه فقط ، بل ويجب عليه أيضًا أن يكون مُخلصًا فيه لربه أن لا يبتغي بعلمه جزاءً من الناس ولا شكورا ، ولا شيئًا من حُطام الدنيا ، وإنما هو يحقق ما أمر الله به في مثل قوله تعالى : (( وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) ، (( مخلصين له الدين )) أي يتدينون ويتقربون إلى الله - عزَّ وجلّ - بفعل ما أمرهم به من الطاعات ، فإذا أتى المسلم سواءً كان عالمًا أو متعلمًا أو غير ذلك ، إذا أتى بعبادةٍ ، ولم يكن في ذلك مُخلصًا لله - عزَّ وجلّ - وإنما هو يُداهن في ذلك ، أو يرائي الناس ، فحينذاك لم ينفذ الأمر الإلهي : (( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين )) هذا بالنسبة لعامة الناس ، فماذا نقول أو ماذا يُقال بالنسبة لخاصة الناس ألا وهم أهل العلم ؟ الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم ، الذين يجب عليهم أن يكونوا قدوةً لسائر الناس في العلم النافع والعمل الصالح . اسمعوا الآن ذاك الحديث الذي وهمت في متنه لأبي هريرة ومتنه هو ما يأتي ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة : عالمٌ ومجاهدٌ وغني ) هؤلاء الثلاثة يفترض فيهم أن يكونوا من السابقين الأولين دخولاً في الجنة . فكيف كان مصيرهم هذا المصير الرهيب ؟ أنهم هم أول من تسعر أي تشعل بهم النار يوم القيامة ، اسمعوا السبب في تمام الحديث : قال عليه السلام : (يؤتى بالعالم فيقال له أي فلان ماذا عملت فيما علمت ؟ فيقول علمته الناس في سبيلك ، فيقال له : كذبت ، وإنما علمت الناس ليقولوا فلانًا عالمًا وقد قيل ) ، أي ما علمت الناس في سبيل الله ومرضاته ، والله - عزَّ وجلّ - يعلم ما تكنه الصدور وما تخفيه الصدور ، يومئذٍ لا تخفى على الله خافية في الأرض ولا في السماء ، فإذا قال هذا العالم الذي يُسأل يوم القيامة ماذا عملت بعملك ؟ وقال مخادعًا علمته في سبيلك ، فيأتيه الجواب والعياذ بالله كذبت ، إنما ليشيدوا بذكرك ، ويشيعوا الناس باسمك وقد قيل أي هذا الذي رميت إليه وقصدت إليه بتعليم الناس قد قالوه ، فقالوا فلان ما شاء الله عالم ، وعندنا في سوريا يقولوا العامة مع الأسف فلان عالم مثل الصحن الصيني من أين رميته ؟ يجاوب ماذا يعنون بهذا الكلام المساكين ، وهذا لا يمكن أن يتحقق إن سألته بالتفسير يجيبك ، سألته بالحديث يجيبك ، سألته بالفقه يجيبك ، في الفقه الحنفي يقول كذا ، والمالكي كذا ، والشافعي كذا ، ... إلى آخره . مثل الصحن الصيني من أين ما رميته يجيبك ، هذا أمر مستحيل ، إنما العلم تخصص ، الشاهد أن هذا الرجل الأول من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ، ألقي به في النار ؛ لأنه لم يخلص لله - عزَّ وجلّ - في تعليمه الناس العلم الذي كان الله - عزَّ وجلّ - علمه إياه ، فيقال له كذبت خذوا به إلى النار .

فيلقى بالنار ، بينما ربنا - عزّ وجل - يقول في القرآن الكريم : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) ، بينما هذا صار نزل في الدرك الأسفل من النار ، ( ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له : ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة ؟ يقول : يا ربي قاتلت في سبيلك . فيقال له : كذبت ، إنما قاتلت ليقول الناس فلان بطل ، فلان شجاع ، وقد قيل , خذوا به إلى النار ) . أُلحق بزميله في عدم الإخلاص كلُ منهما لربه - تبارك وتعالى - فأُلقي في النار ، ثم يؤتى بالرجل الثالث من الثلاثة ألا وهو الغني الذي كان يُنفق الأموال الطائلة ، الملايين المملينة كما يقولون اليوم ( يُقال له : فيما أنفقت ؟ يقول : في سبيلك يا رب ، فيقال له : كذبت ، إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل ) أي إنك حصلت في الدنيا ما رميت إليه ، كما حصل العالم ما رمى إليه ، الشهرة بالعلم ، كما حصل المجاهد ما رمى إليه الشهرة بالبطولة والشجاعة ، هؤلاء الثلاثة كان مصيرهم أول أهل النار إلقاءً في النار لأنهم لم يكونوا مخلصين في أعمالهم الصالحة في العلم والجهاد وإنفاق الأموال ، كانوا جميعًا في النار والعياذ بالله تعالى ، فالذي أردت من ذاك الحديث الذي فتح لي إيراد هذا الحديث الثاني وكلاهما متمم للآخر ، هو تذكير إخواننا أن لا يكون همهم العلم فقط ، وإلا كان وبالاً عليه ، إذا لم يقرن معه العمل ، فتعلموا لتعملوا ، وإلا عرفتم عاقبة من لم يعمل بعمله ، ثم إذا عملتم فأخلصوا لله - عزَّ وجلّ - حتى يكون عملكم مقبولاً عند الله - تبارك وتعالى -

وذلك قوله - عزَّ وجلّ - في القرآن الكريم : (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين )) ، (( وما أنا من المشركين )) أي عقيدةً وعملاً ؛ لأن من الشرك أن تعمل العبادة لغير وجه الله - تبارك وتعالى - كما قال عزَّ وجلّ : (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) ، (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا )) قال علماء التفسير : " من كان يرجوا لقاء ربه حقًا يوم القيامة فليعمل عملاً صالحًا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا " قالوا : لا يكون العمل عملا صالحًا إلا إذا توفر فيه شرطان اثنان : الشرط الأول : أن يكون موافقًا للسنة وهو العمل الصالح ، أما إذا كان مخالفًا للسنة فلا يكون عملاً صالحًا , ثم إذ كان هذا العمل على السنة فلم يتوفر فيه الشرط الثاني وهو الإخلاص لله - تبارك وتعالى - حيث قال : (( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) ، فإذا توفر هذان الشرطان كان العمل مقبولاً عند الله ، وإذا اختل أحدهما كان العمل مرفوضًا عند الله ، كان مضروبًا به وجه صاحبه إن عمل عملاً على السنة ولم يخلص فيه ، أو أخلص فيه ولم يكن عمله على السنة ، سواء كان الإخلال بهذا أو بذاك فعمله مرفوض ، وهذه نقطة مهمة جدًا ، أيضًا تضاف إلى ما ذكرناه آنفًا من وجوب تعلم العلم للعمل ومن ضرورة كون العمل خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - فالشيء الثالث : أن يكون العمل موافقًا للسنة , فإن العمل مَهْما كان صاحبه مجدًا فيه ومجتهدًا فيه ومثابرًا عليه ، ثم كان على خلاف السنة فلا يفيده ذلك إلا بُعدًا عن الله - تبارك وتعالى - ذلك ما تدل عليه هذه الآية الكريمة في تفسير أهل التفسير والعلم بالتفسير (( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )) . العمل الصالح ما وافق السنة ، وإذا كان خالصًا لوجه الله - عزَّ وجلّ - فهو العمل المنجي لصاحبه يوم الله - تبارك وتعالى -

لعلكم طرق سمعكم يومًا ما حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - الذي له صلةٌ وثقى صلة عظمى في موضوع العمل أنه لا يكون صالحًا إذا كان مخالفًا للسنة ، قال العرباض بن سارية - رضي الله عنه - : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : أوصنا يا رسول الله ؟ قال : ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن وليَّ عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ) وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ، كان سائلا يقول ولم يقل ، لكن الرسول أجابه لأنه بوحي من السماء الذي يعلم بما في الصدور ، إذا رأينا هذا الاختلاف الكثير فماذا نعمل يا رسول الله ؟ قال مباشرة : ( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرا ) وهذا ترونه اليوم عيانًا ( فسيرى اختلافًا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي , عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور , فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة ) ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤكد هذه الموعظة التي ختمها بقوله : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ) كان يؤكدها - عليه الصلاة والسلام - هذه الجملة الأخيرة في خطبه كلها ، وبخاصةٍ ما كان منها خطبة الجمعة ، حيث كان يقول عليه السلام في أول كل خطبة : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ؛ أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهُدى أو الهَدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) .

إذًا نستخلص مما سبق : يجب طلب العلم من أجل العمل ، ويجب أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى ، ويجب أن يكون هذا العمل موافقًا للسنة ، فعليكم أن تتذكروا هذه الشروط لتكونوا من الناجحين المفلحين فيما تتقربون به إلى رب العالمين - تبارك وتعالى - والآن نفتح لكم باب الأسئلة لنجيبكم عليها بقدر ... ويفتح علينا .

 

السائل : شيخنا ، لي عمة أصلها بما يقدر الله لي - عزَّ وجلّ - فلها ابن - والعياذ بالله - عمل بالزنا ، وزوجتهم المحكمة ، وزوجته أنجبت ولدًا وعمتي احتضنته في بيتها ، فما كان منا أن قاطعناها على هذا العمل الذي قامت به مع ابنها ؛ فهل نحن مخطئون على ذلك ؟

الشيخ : لم توضح ماذا قامت هي ، أنت تتهم ابنها بالزنا ، وهي احتضنت ولد الزنا ، فهذا لا يكفي في تحدي السؤال لنعطيك الجواب ، هل هي رضيت بما فعل ابنها ؟

السائل : نعم .

الشيخ : هكذا ينبغي أن تقول ، رضيت بما فعل ابنها ولم تنكر ذلك عليه ؟

السائل : ولم تنكر .

الشيخ : وأنت يعني متحقق مما تقول ؟

السائل : نعم .

الشيخ : لا يجوز أن تساعدها .

السائل : أنا أقول شيخنا ، قاطعناها يعني بعدم زيارتنا لها بعد عملها هذا .

الشيخ : صحيح كلامك ، أنا تبادر لذهني أنك حينما كنت تواصلها تحسن إليها أيضًا ، فإذا قاطعتها فنعم ما فعلت .

السائل : محقون نحن من ذلك ؟

الشيخ : فنعم ما فعلت ، نعم هذه مقاطعة لله ، أما إذا كانت هي مستنكرة للأمر واحتضنت الولد فهذا أمر تشكر عليه ، أما إذا كانت غير مستنكرة لما فعل ابنها ، فالمقاطعة تكون على بابها وعلى موضعها .

السائل : بارك الله فيك .

 

السائل : شيخنا ، لو تكرمت تبين لنا بتفصيل هل يجوز لقارئ القرآن أن يقرأ باختلاف الرواية سواء كان إمام داخل الصلاة أو خارج الصلاة , والدليل على الإيجاز بارك الله فيك .؟

الشيخ : إذا كانت الرواية التي يقرأ بها قد تلقاها من أهل العلم المتخصصين في القراءات الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيجوز له أن يقرأ بها ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( أُنزل القرآن على سبعة أحرف ) وقد فسر كثير من العلماء أن الأحرف هي أوجه القراءة التي كان يقرأ الرسول - عليه السلام - بها في حياته ، وجاءت أحاديث كثيرة تبين أن بعض الصحابة حينما كان يسمع من آخر قراءة لم يسمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يُبادر إلى إنكارها , ولكنه يتثبت ويذهب مع صاحبه المخالف له في القراءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعرض عليه ما سمع من صاحبه القراءة التي هو كان لا يعرفها من قبل ، فيقول الرسول - عليه السلام - : ( هكذا أنزلت ) فإذا كانت القراءة التي يقرأها هذا الإمام أو ذاك من القراءات الصحيحة والمتلقاة من أهل الاختصاص بالقراءات فهو أمر جائز ومشروع .

ولكن عندي ملاحظة شخصية بأن هذه القراءة الصحيحة إذا لم تكن مشهورة بين بعض الناس فلا ينبغي للإمام أن يفجأهم بها ؛ لأن من جهل شيء عاداهُ ، أما إذا كان في مجلسٍ خاصٍ أو كان يؤم ناسا يعرفونه ويعرفهم ، ويعرفون أنه يقرأ بقراءةٍ أخرى صحيحة ، ولو أنها كانت غير معروفة لديهم لكنهم بحكم مصاحبتهم لهذا الإمام أو لهذا القارئ عرفوا منه أنه يقرأ بقراءة صحيحة ، وإن كانت غير مشهورة سابقًا لديهم ، في هذه الحالة له أن يقرأ ذلك ، أما إذا أم الناس وفيهم وفيهم ... أشكال وألوان فلا ينبغي أن يفجأهم بالقراءة التي لا يعرفونها , وهذا من باب الأدب الذي تلقيناه من بعض الصحابة الذين كانوا يقولون : " خاطبوا الناس على قدر عقولهم " أو نحو ذلك من المعنى ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟! فما ينبغي للعالم أو للإمام أن يفجأ الناس بشيء يستنكرونه , ولابد من أن يقدم إليهم مقدمة ، وهذه المقدمة قد تتيسر في بعض الأحيان ، وقد لا تتيسر .

وأنا أذكر لكم بهذه المناسبة أنني كثيرًا ما كنت أسافر إلى الحج أو العمرة فأنزل في بعض البلاد أو القرى ممن نعرف هناك من بعض إخواننا فيقدمونني إمامًا فأقول للمقدم لي أقول : يا أخي أنت تعرف أني أنا مسافر وأن المسافر عليه أن يقصر وجوبًا ، وأنا سأصلي وأقصر ، والناس غير معتادين ، هؤلاء مقيمين ، بدهم يصلوا مثلاً العصر خلفي ، بدهم يصلوا أربع ركعات ، أنا بدي أصلي ركعتين ، فيقول لي وهو على شيء من العلم ، معليش يا أخي خليهم يتعلموا ، وهذا كلام صحيح ، خليهم يتعلموا ، وفعلاً الذي خشيته وقع ، بالرغم أني ما كبرت إلا بعد أن عملت محاضرة وأنا واقف ، وبيّنت لهم السنة وأنه أنا إمام , الآن اقترح علي أن أؤمكم ، وأنا أقتدي بسنة الرسول عليه السلام ؛ ولذلك فسوف أصلي ركعتين ، وأنا سوف لا أسلم عن يميني تسليمًا تسمعونه ، أسلم سرًا حتى ما تسلموا معي ، أُسلم سرًا وأخاطبكم بلسانٍ عربيٍ مبين ، فأقول لكم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ، ثم التفت يسارًا فأقول السلام عليكم ، بالرغم من المحاضرة الطويلة العريضة بعدما سلمت ناس أخطئوا وسلموا معي , وناس أصابوا وقاموا لكن إيش فعلوا ؟ قالوا للذي قدمني : يا أخي ليش قدمت لنا هذا الرجل عمل علينا شوشرة و و إلى آخره ، فالناس الحقيقة مثل الصلاة يجب أن تطرق مسامعهم المرة بعد المرة ، والكرة بعد الكرة حتى يرسخ في أذهانهم أن الإمام المسافر يصلي ركعتين ، فإذا سلم عرفوا أن عليهم أن يتموا صلاتهم ، فلا ينبغي للعالم الحكيم أن يفجأ الناس ويضربهم هكذا ضرب بالأمور ولو كانت حقًا ، وإنما يجب أن يُمهد لها تمهيدًا ، وهذا من آداب الرسول - عليه السلام - التي ظهرت في كثير من الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

وهذا في الواقع يفتح لنا بابًا من العلم يجب أن نذكر به وهو .؟ أن العالم يجب عليه فعلاً أن ينصح الناس وأن يرشدهم وأن يذكرهم ، كما قال تعالى : (( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) ولكن عليه أن يُمهد لذلك .

لقد جاء في الصحيحين البخاري ومسلم ، من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما دخل مكة فاتحا ، دخل جوف الكعبة وصلى فيها ركعتين , ثم خرج ، فأرادت السيدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أن تقتدي بزوجها ونبيها - صلى الله عليه وسلم - وتصلي في جوف الكعبة ، وتعلمون أن الكعبة الآن كما كان في ذاك الزمان ، لا يمكن الدخول إلى جوف الكعبة إلا بسلم , وهكذا يعين ورث المسلمون الكعبة بهذا الباب العالي , فلو أرادت امرأة ، بل وأراد رجل أن يدخل الكعبة فيجب أن يجهد نفسه ويتعبها حتى يستطيع أن يصعد , فقال للسيدة عائشة : ( يا عائشة ، صلي في الحجر فإنه من الكعبة ، وإن قومك لما بنوا الكعبة قصرت بهم النفقة ) أي أخرجوا الحجر عن الكعبة ، وما استطاعوا أن يبنوا الكعبة ويكون في جوفها الحجر ، والشاهد أن الرسول - عليه السلام - قال في تمام حديثه : ( ولولا أن قومك حديثوا عهدٍ بالشرك لهدمتُ الكعبة ، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ) أي لأدخل الحجر إلى الكعبة ( ولجعلت له بابين مع الأرض ) ما أحلاه هذا ( بابين مع الأرض ، بابًا يدخلون منه ، وبابًا يخرجون منه ) ما فعل الرسول - عليه السلام - هذا ؛ لماذا ؟ خشي أن يحدث هدم الكعبة ضعضعةً في قلوب بعض الناس الذين كانوا بحاجة إلى تقوية  إيمانهم ، فأخر الرسول - عليه السلام - هذا الأمر إلى أمر وإلى وقتٍ يريده الله - تبارك وتعالى - وللقصة تتمة مع الأسف ، حيث قيد الله لهذا البيت الحرام ، ولهذه الكعبة المشرفة من نفذ رغبة الرسول - عليه السلام - في زمانه ألا وهو عبد الله بن الزبير ، ولكن السياسة الغاشمة أعادت البيت إلى ما كان عليه بحجة أن هذا الذي فعل , وأحدث هذا الأمر خالف البيت الذي تركه الرسول - عليه السلام - عليه , لم يكن قد بلغه حديث عائشة والذي نفذ حديث عائشة هو ابن أختها عبد الله بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر أخت السيدة عائشة . وعبد الله بن الزبير لما تمكن من هذا الإصلاح نفذه فعلاً ، لكن كان ذلك في فتنة قامت بينه وبين الأمويين وبصورة خاصة عبد الملك بن مروان ، وكان نهاية الفتنة مع الأسف أنه قُتل وصلبه الحجاج إلى آخر ما هنالك .

فلما استوطن الأمر لعبد الملك أمر بإعادة الكعبة إلى ما كانت عليه في زمن الجاهلية ، وفي مجلس هادئ في مجلسه تعرض لهذه القضية فأحد الحاضرين تبليغًا للأمانة العلمية ، قال له : يا أمير المؤمنين إن ما فعله عبد الله بن الزبير هو ما حدَّث به النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وذكر هذه القصة , فقال عبد الملك : لو علمت ذلك لتركته كما فعل ، مع الأسف الشديد .

الشاهد : أن من السياسة الشرعية أن يتلطف الإنسان في إرشاد الناس وفي هدايتهم بما يستطيع من أساليب ، ولا نعني بهذا أبدًا مسايرة الناس بكتمان العلم ، وكتمان الحقيقة و هذا شيء آخر ، فالواقع أن الناس كل الناس ما بين إفراط وتفريط , والتفريط أكثر ، وهو إضاعة العلم وإضاعة النصيحة , والمغالون التي لا يتخذون الأساليب الحكيمة في تعليم الناس وفي تبليغهم ؛ ولذلك الحق كما قال تعالى : (( وكان بين ذلك قواما )) يعني لا يكتم العلم باسم السياسة الشرعية , ولا يُنفذ العلم بالقوة باسم ( بلغوا الناس مثلاً ولو آية ) لا (( ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) .

فإذا إذا قرأ الإمام قراءة ثابتة ومتلقاة من أهل العلم المختصين ، الأصل أنه لا شيء في ذلك ، ولكن يجب أن لا يفجأ الناس بما لا يعلمون ، وأن يمهد لما يريد أن يعلمهم به .

 

الشيخ : غيره .

السائل : شيخنا في نفس الموضوع هناك من يقول بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - لم ينقل لنا عنهم بأنهم قرؤوا بخلط الرواية .

الشيخ : خلط الرواية .؟

السائل : بخلط الرواية , فيعتبرون أن هذا الأمر بدعة خلط الرواية ، أو قراءة الرواية من باب آخر سؤالهم ملاحظة أخرى , مثلاً البلاد العربية هنا تُقرأ لحفص ، فإذا قرأت لهم لورش برواية كاملة دون الخلط أيضًا ينكرون هذا .

الشيخ : هذا الذي أنا أجبت عنه ، أما الآن ففي كلامك سؤال ثاني ، وهو الخلط بين قراءتين في آن واحد .

السائل : يقولوا أن هذه بدعة ، وما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بالخلط أو الصحابة الكرام .

الشيخ : نعم ، هذا ينبغي الجواب عنه ، الحقيقة أن هذه الشبهة أو هذا الاعتراض سمعته من بعضهم منذ القديم ، الذين يقولون هذا بدعة هم شأنهم شأن المقلدة في المذاهب الأربعة ، أي كما أن المقلدين للمذاهب اليوم عامة أهل العلم والمشايخ المعروفين ، يوجبون على عامة المسلمين أن يتمذهبوا بمذهب واحد من هذه المذاهب الأربعة ، فإذا المسلم عاش مثلاً بين أقوام يتمذهبون بمذهب أبي حنيفة ثم ثبت لديه مسألة ليست مقررة في مذهبه وإنما في مذهب غيره كمالك أو الشافعي مثلاً ، فهم يوجبون عليه التزام المذهب ، ولا يجيزون له أن يعمل بما ثبت في المذهب الآخر ، وهذا نحن نراه خطئا أحيانًا ونراه صوابًا أحيانًا أخرى ، أي : هذا الإنكار تارة يكون خطئًا وتارة يكون صوابًا ؛ يكون خطئًا إذا كان المتمذهب بالمذهب المعين اتبع رأيًا في مذهب آخر إتباعًا لهواهُ ، وكما يقول العلماء والفقهاء تتبعًا للرخص , هذا يُنكر عليه ، أما إذا أخذ برأي في مذهب آخر ؛ لأنه اقتنع به وبدليله ، فهذا هو الواجب عليه ، ومن يُنكر عليه يكون مخطئًا ، هذا طبعًا خلاصة الجواب وهذا يحتاج إلى بحث طويل لكن أُمهد به للإجابة عن الخلط بين القراءات .

فأقول : كما أن المذاهب الأربعة كل إمام يأخذ بما ترجح عنده من العلم كذلك القراء السبعة أو العشرة كل منهم يأخذ بما ثبت لديه , علمًا بأن مجال الخطأ في المسائل الفقهية أكثر من الخطأ في القراءات المتوارثة أو المتواترة كما يقولون , ذلك لأن المسائل الفقهية يدخلها الاجتهاد يدخلها القياس ، فيمكن أن يقع المجتهد في خطأ ويؤجر عليه , أما القراءات فهي مستندة على النقل وبس ، إذا كان هذا معروفًا فحينئذ إذا كان هذا القارئ على قراءة حفص ، ثبت لديه قراءة ورش في آيةٍ ما , فجمع في قراءةٍ واحدة بين قراءة حفص في آية وقراءة ورش في آية أخرى ، هذا كالذي جمع بين التمذهب بالمذهب الحنفي والتمذهب في مسألة واحدة وأخرى في المذهب الشافعي ؛ لأن ذلك ثبت لديه , فقولهم أن هذا بدعة ، هو في الواقع حسب وجهة نظري غفلة عن أن منبع أئمة القراء هو كمنبع أئمة المذاهب الأربعة هو الرسول - عليه السلام - مع الفارق الكبير الذي ذكرته آنفًا أن الأئمة في الفقه ممكن أن يقولوا قولاً بالاجتهاد والرأي ، أما في القراءة ما فيه إلا التلقي والنقل ، فيكون هنا الأمر أن الرسول قرأ بقراءة حفص أكيد ، وقرأ بقراءة ورش أكيد ، فما المانع أن يقرأ الإنسان بهذه وبهذه وليس عند القراء أبدًا دليل ـ وهذا مستحيل أن يكون ـ أن الرسول قرأ بقراءة حفص أحيانًا ، وتارةً أخرى قرأ بقراءة ورش ، وإلى آخر ما هناك من القراء المعروفين ، لا يوجد شيء من هذا ، لكن كل واحد أخذ بما ثبت لديه , أي أن الرسول كان يقرأ بهذا وكان يقرأ بهذا وكان يقرأ بهذا ، من أشهر الأشياء التي يمكن يفهموها الناس كلهم ، الفاتحة فيها قراءتان متواترتان فيما يتعلق بـ : (( مالك يوم الدين )) ، و(( ملك يوم الدين )) ، فالرسول - عليه السلام - كان يقرأ مرةً (( مالكِ )) ومرة (( ملكِ )) ، لكن ما كان يلتزم أنه إذا قرأ (( مالك )) فهو يقرأ ما بعده على مذهب مالك ، عفوًا على مذهب حفص ؛ لأنه حينئذٍ نقول كما يتوهم بعض الجهة أن الرسول كان حنفي أو كان شافعي ، هذا ما يقوله إنسان لأن المذاهب متأخرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم يتلقون منه وليس العكس تمامًا . لذلك المهم إذا ثبت قراءة من القراءات فيجوز للقارئ أن يقرأ بهذه وأن يقرأ بهذه ، ولا مانع من ذلك ، والذي يقول هذا بدعة يعني حسبنا أن نقول له : (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) ولن يستطيع إلى ذلك سبيلا .

 

الشيخ : تفضل .

السائل : شيخنا ، يقول تعالى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( فقاتل في سبيل الله لا تُكلف إلا نفسك )) ، هل المخاطب بهذه الآية الرسول - صلى الله عليه وسلم - أم عامة المسلمين ؟

الشيخ : قبل الإجابة على السؤال أريد أن ألفت النظر إلى خطأ شائع ألا وهو قول القائل : يقول تعالى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أو بعد ، هذا خطأ ، وما أنت أول سارٍ غره قمر ، كل المذيعين وكل المتكلمين يقولون هكذا ... يجب أن يقول القائل إذا أراد أن يستشهد أو أن يسأل : ماذا تقول يا فلان في قوله تعالى : (( فقاتل في سبيل الله )) .؟ بلاش نقول : ماذا تقول في قول الله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ما قال الله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وبعضهم يقول قال الله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هذه أشكل وأشكل .

المهم لا شك أن الخطاب هو موجهه في شخص الرسول - عليه السلام - لكن نحن نعلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خوطب بأمر عامة المسلمين يخاطبون بنفس هذا الخطاب ، وبخاصة في مثل هذه الآية ، هل يسبق إلى ذهن أحد بأنه عليه السلام إذا قال : (( فقاتل في سبيل الله )) يعني وحدك ؟ هب مثل هذا السؤال ، معقول أن يتوجه إلى مثل قوله تعالى : (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) ، لأن الشرك ليس هو عمل اجتماعي وتعاوني ، وإنما هو شيء متعلق بقلب كل مكلف ، فإذا قال الله - عزَّ وجلّ - (( لئن أشركت )) مخاطبًا الرسول - عليه السلام - (( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )) هنا يمكن أن يُقال مثل هذا السؤال يا ترى هذا الخطاب الموجه للرسول - عليه السلام - يوجه إلى كل فردٍ من أفراد الأمة أم لا ؟

بالنسبة للآية التي تلوتها أنا ، نقول بلا شك إذا كان الله - عزَّ وجلّ - يخاطب نبيه المعصوم ، ليس عن الشرك فقط بل عن كل الذنوب ، يخاطب بقوله وهذا الوعيد الشديد (( لئن أشركت ليحبطن عملك )) فمن باب أولى عامة المسلمين ، أما قوله : (( فقاتل في سبيل الله )) فلا يمكن أن يكون مقاتلته - عليه السلام - في سبيل الله ، إلا ومعه جمهور المسلمين , بالإضافة إلى هذه الملاحظة التي يقتضيها العمل الجهادي ، هو ما قلناه آنفًا ، أن الخطاب الذي يوجه إلى الرسول - عليه السلام - هو خطاب لجميع الأمة ، بل قد ذكروا في علم الأصول أن الخطاب الموجه إلى فردٍ من أفراد الأمة يشمل كل فردٍ من أفراد الأمة , قال الصحابي مثلا وهو علي بن أبي طالب : " نهاني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن خاتم الذهب " ، لا يقول قائل هذا النهي مختص به علي - رضي الله عنه - ؛ لأن الخطاب الموجه إلى فردٍ من أفراد الأمة موجه إلى كل فردٍ من أفراد الأمة ، فبالأولى والأحرى أن يكون مثل هذا الخطاب : (( فقاتل في سبيل الله )) أن يكون الخطاب موجهًا للرسول والذين سيجاهد معهم الرسول عليه السلام وهم المسلمون .

السائل : ... المخاطب فيه مسلمين جماعة والأفراد كمسلمين ، يعني اليوم ما فيه جماعة إسلامية .

الشيخ : هذا سؤال آخر بارك الله فيك .

السائل : ... كأفراد مكلفين فرادى أو تحت جماعة إسلامية ؟

الشيخ : لا ، ليس مكلفين فرادى ، هذا بحث ثاني , يجب أن يكون الجهاد في سبيل الله هو تحت راية إسلامية لها أمير ، ولها نظام , وهذا النظام لا يخرج عن دائرة الإسلام وعن نظام الإسلام الثابت في الكتاب والسنة ، ولكن هنا شيء وهو , الجهاد ينقسم إلى قسمين : جهاد لنقل الدعوة ، وجهاد للدفع عن النفس ؛ فالجهاد في سبيل الدفاع عن النفس كل فرد حينذاك مكلف أن يقاتل بما يستطيع من قوة ، أما الجهاد الذي ينبغي أن يكون كوسيلة لنقل دعوة الإسلام إلى من حول المسلمين ، فهذا لا يجوز إلا أن يكون تحت راية إسلامية ولها أمير ومُبايع ، فلكل كما يقال : لكل مكان جواب ، إذا هوجمنا في عقر دارنا , إذا هوجم الرجل في عقر داره ألا يدافع ؟

السائل : يدافع .

الشيخ : فإذا هوجمت البلدة يدافع , ما ننتظر هنا التنظيم الذي يأمر به الإسلام وهو إيجاد قائد مسؤول وينظم ويهيئ و و إلى آخره ، ولهذا يجب التفريق بين الجهاد الذي هو في سبيل الدفاع وبين الجهاد الذي يراد به تنشيط حركة الدعوة الإسلامية والحد من الأعداء الذين يقفون حجر عثرة في سبيل نشر الدعوة الإسلامية .

 

السائل : شيخنا ، ما قولك في قوله تعالى : (( لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسله ... )) إلى باقي الآية ،  نعرف أن ترك الصلاة كفر ، فهل ممكن الآباء أو الأبناء أو الإخوان التاركين صلاة ، هل نعتبرهم ممن يحادون الله رسوله ؟ وهل مطلوب منا أنا نوادهم إذا كنا مؤمنين بالله .؟

الشيخ : الآية ، كيف تقول .؟

السائل : (( لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم ... )) .

الشيخ : معليش يجب أن نقف عن قوله تعالى : (( يحادون الله ورسوله )) ماذا نفهم منها ؟

السائل : مفهومي أنا الصحيح أنه يا شيخ أنه محاد ، أنا رجل مالي يعني , مفهومي أنه وضع نفسه في حد ووضع الله ورسوله في حد آخر , إن كان بعمل كفر أو باجتناب المعاصي في أمور كثيرة جدًا ... .

الشيخ : لا ، بس في عندنا أريد أن ألفت نظرك لشيء ، أنت ما دام تقول أنا محاسب معناها تعرفني أنك لست عالما على الأقل بعلم التفسير ، صحيح هكذا التعبير نعم ؟

السائل : صحيح .

الشيخ : حينئذٍ ... معليش , حينئذ ينبغي أن يعلم كلاً منا ، كما أنه لا يجوز للعالم بالفقه أو الحديث أو التفسير أن يعتدي على صنعة الدكتور تيسير وهو طبيب ؛ لأنه أنا جاهل بالطب ، فأنا أستمد منه المعرفة التي خصه الله بها ، فكذلك هو بدوره لا يعتدي على غيره من أهل العلم ، إن كان محدثًا , فما يأتي يفتات عليه ويقول هذا حديث صحيح ، وليس صحيح وضعيف وإلى آخره ؛ لأن هذا ليس من اختصاصه , كما أنه أنا مسؤول أن أسأل أهل العلم , فهو أيضًا مسئول أن يسأل أهل العلم ، كما قال تعالى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) كذلك لا يجوز لعامة المسلمين ، أن يفسروا القرآن بما يبدوا لكل واحدٍ منهم ، وإنما كما قال تعالى : (( فاسأل به خبيرًا )) أو الآية الأولى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) معليش أنا ما أعتب عليك أنك سألت ، لا ، بس أقول ما ينبغي لك ولأمثالك أن يكونوا رأيًا في فهم آية إلا بعد أن يسألوا أهل العلم ، فهنا الذين يحادون الله ورسوله ، المقصود بهم المشركون , فلا يقصد به مثلا الولد الذي ضربت به مثلاً أنه تارك صلاة ... .

السائل : ... إنسان مكلف .

الشيخ : لا , أنا أقصد معك , أي تارك الصلاة أنا أقول الذي تقصده أنت ، الولد ما قصدت ولدا صغيرا ، أنت الآن ذكرتني بحديث , والشيء بالشيء يذكر , جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله ، أركبني , يعني يريد دابة تحمله  أمامه سفر ، قال للمختص بالإركاب : ( أركبه يا فلان ولد الناقة ) ، قال له : يا رسول الله ، وهل يحملني ولد الناقة ؟ قال له : ( وهل الناقة إلى ولد الناقة ) يضحك الشيخ رحمه الله - فكلمة ولد باللغة العربية لا تعني معناها صبي غير بالغ ... .

السائل : الشائع حاليًا ... .

الشيخ : معليش ، معليش ممكن أنا غلب عليَّ الفقه الحديثي هذا ، فأنا قلت الولد يعين ولد الابن ولو كان مكلفًا , وإنما المقصود هنا ... .